بقلك: صاحب مدونة (عرب اسبريسو)
قيل
قليلون هم الأناس الذين ينالون سمعةً جيدة بهذا الحجم في عالمنا هذا ، تحدث عن المفكرين ، القادة السياسيين ، الحكماء ، الثوار .. من تشاء .. ستجد لكل أعداءً و مهاجمين من كل حدب و صوب ، لكن أن يستطيع رجلُ ما نيل كل هذه المحبة في قلوب الناس على مدى سنوات .. فهو شيء يحسد عليه والت ديزني بصراحة..
أنت بحاجة لقلب حجري كقلب عم دهب حتى لا تحب هذا الرجل ، من منا يستطيع كره ميكي ماوس و صديقته الظريفة ميكي .. سوى شخص حانق و عصبي مثل بطوط donald duck ؟ أو شخص مغفل تماماً و على نياته مثل بندق Goofy ، و هو برواقه الدائم يجعلك تتذكر بيت المتنبي الشهير عن أخي الجهالة الذي ينعم في الشقاوة .. إنه شخص محظوظ .. محظوظ جداً .. مثل محظوظ Gladstone مثلاً !!
هذا أمر جيد .. ما زال هنالك شيء جيد في هذا العالم يستحق أن نروي قصصاً عنه ..
والت ديزني كان بالنسبة إلي في الصغر شيئاً أشبه بالرمز .. شيئاً تشمه و تتذوقه و تلمسه دون رؤياه ..و كان أحد أحلامي أن أتمكن يوماً من العمل ضمن ديزني ( على الأقل اعتباراً من مشاهدتي لفيلم الملك الأسد lion king ) و لذلك استغربت فعلاً عندما وجد كماً كبيراً من الأفلام التسجيلية له على يوتيوب .. و بعد ذلك بدا لي ذلك في غاية المنطقية و أن من السخف بعينه توقع العكس .. ماذا تنتظر من شخصٍ قضى حياته في صنع أفلام الكارتون المتحركة سوى أن تجده حول الكاميرا طوال الوقت ، و قد سحرتني ابتسامة هذا الرجل العذبة و ضحكته المشرقة ، حمداً لله أن صورته لا تختلف عن جمال أفلامه ، و ليس ذو منظر غريب بيقطع الرزق مثل فرانكان Franquin كاتب القصص المصورة الفرنسي الشهير على سبيل المثال !
عندما كنت صغيراً لم أكن أدري أصلاً بأن هذا اسم لشخص ! من هذا الذي بحق السماء يحمل اسم عائلة مثل ديزني ! كلمة لذيذة مصنوعة من الحلوى و مغطسة بالسكر !
قد يكون من المضحك بأن أقول بأن أكثر شيء يعبر عن شخصية هذا الرجل بالنسبة لي هو توقيعه الخاص ! سحرني هذا التوقيع منذ الصغر .. تلك الحروف الضاحكة الملتوية التي تقفز فرحاً و تتطاير شقاوة ، تنزلق مسرعةً هاربة و هي تطلق الكثير من الصياح و الضحك و الغوغاء .. لا عجب أن يصدر خط truetype خاص يسمى بخط ديزني!
دخل والت إلى المرحلة الإعدادية عام 1911 ، و هناك تعرف والت في المدرسة على والتر بفيفير و الذي عرفه على عالم التحريك و الكارتون ، و في تلك الفترة كان يقضي الكثير من الوقت مع صديقه هذا و في أوقات الفراغ يذهبون لمدينة ملاه كهربائية بالقرب من منزلهم ، و قد أوضح والت بعدها بأن تصميم تلك المدينة كان له تأثير كبير على تخيله لديزني لاند فيما بعد ..
في عام 1917 ، عادت العائلة مرة أخرى إلى شيكاغو ، كان والت يقوم و هو في المدرسة برسم العديد من القصص المصورة في مجلة The Voicesفي مدرسة ماكنيلي الثانوية ( بشكل مشابه لطفولة هيرجيه )و بدأ والت و هو ما زال في الثانوية أيضاً بمتابعة دروس مسائية في معهد شيكاغو للفنون ، كانت رسومه في تلك الفترة ذات طابع وطني متأثراً بالجو السياسي العام ، حتى أنه طلب التطوع كجندي في الحرب العالمية الأولى و تم رفض طلبه لأن عمره دون ال 17 عاماً ، إلا أنه قام بتزوير وثيقة ميلاده ليتمكن من الذهاب إلى الحرب ضمن فرق الصليب الأحمر الأمريكي، لكنه لم يصل هناك إلا بعد انتهاء القتال ، و عمل سائقاً لعربة إسعاف مدة عام تقريباً في فرنسا ، تشاهدونه في الصورة إلى جانب العربة التي كان يقودها ، و الطريف في الموضوع هو رأس الطفل المشاغب المرسوم على العربة كدليل على استمراره في الرسم تحت كل الظروف !
بداية الرحلة ( المرحلة الصعبة ! )
في عام 1919 بدأ مشواره المهني في مدينة كنساس حيث يعمل أخوه الأكبر Roy كموظف في مصرف ، و كانت فكرته عن المستقبل غير واضحة تماماً ، كل ما يعرفه أنه يرغب بالعمل في المجال الفني .. بداية قام برسم الكاريكاتير السياسي ، و لم يجد أحداً متحمساً لتوظيفه لا كرسام كاريكاتير أو صحفي و لا حتى كسائق عربة إسعاف ! نهاية تمكن أخوه من ايجاد عمل مؤقت له في مجال تصميم الإعلانات التجارية لدى Pesmen-Rubin Art Studio مقابل خمسين دولاراً شهرياً ، و أيضا ككان يقوم بتصميم غلاف البرنامج الأسبوعي لمسرح محلي اسمه مسرح نيومان ، خلال عمله الأول هذا ، التقى والت ديزني بشاب في مثل عمره ، يحمل نفس اهتماماته ، اسمه Ubbe Ert Iwerks -غيره فيما بعد ليصبح : Ub Iwerks – و قام الشابان عام 1920 بإنشاء مؤسسة تحمل اسم : «Iwerks-Disney Commercial Artists »و تعمل في مجال الدعاية و الإعلان في كاراج المتواضع خلف بيت ديزني في كانساس ، الكثير من الأمريكان العصاميين بدأوا من كارجات منازلهم على ما يبدو كستيف جوبز مثلا مؤسس شركة Apple ، يبدو أني سأضع غياب الكراجات في العالم العربي على قائمة أسباب تخلفنا المزمن ! ( العبرة طبعاً في ايجاد – حقل تجارب – للأولاد مسموح لهم فيه تمرير طاقاتهم الابداعية دون تدخل الوالدين بعبارات من نمط : قوم ادرس ، ما توسخ ، ما تعلي الصوت .. إلخ إلخ إلخ !! )
لم تستمر هذه الشركة طويلاً إذ انضم كلاهما إلى شركة إعلانات للأفلام تدعى Kansas City Film Ad Company ، تعلم هناك كيفية صناعة إعلانات متحركة تعتمد على طريقة تسمى بطريقة القصاصات cutout animation ، و الفكرة بسيطة : قم بتجميع قصاصات على شكل أيادٍ و أرجل تمثل شخصاً ما بواسطة دبابيس ، و من أجل كل لقطة فعليك تحريك القصاصات لجعل الصورة تبدو تتحرك .. كان هذا بداية اهتمام ديزني بمجال التحريك ، و أخذ يثقف نفسه حول الموضوع و قام بشراء كتاب ل Edwin G. Lutz يتحدث عن أصول التحريك و بداياته : Animated Cartoons: How They Are Made, Their Origin and Development.
و بعد هذا الكتاب أخذ يؤمن بأن المستقبل ليس لطريقة القصاصات هذه بل للتحريك المعتمد على رسم خلايا متعددة أو اسكتشات متتالية ، و عندها قرر بأنه سيتبع هذا الأسلوب بدلا عن القصاصات ..
قام حينها بترك مؤسسته و افتتح استوديو خاصاً به يعمل فيه لديه موظف واحد هو Fred Harman نجح وقتها بالتفاوض مع مالك مسرح شهير في كنساس هو Frank L.newman ليقوم بعرض انتاجه من الأنيميشن ضمن صالة العرض الخاصة به على النطاق المحلي وبثمن 100 إلى 150 دولاراً عن الفيلم الواحد.وقد سمى تلك الرسوم المتحركة وقتها بـ Newman Laugh – O – grams و لم تكن مدة الفيلم تتجاوز أكثر من دقيقة واحدة !
و ظل مبنى هذا الاستوديو موجوداً حتى يومنا هذا ووجدت له صورةً حديثة بعد ترميمه في العام 2010 أتشاركها معكم هاهنا
لعلكم لاحظتم في الفقرة الماضية اشتراط صاحب المسرح اضافة اسمه الشخصي للرسوم المتحركة التي يرسمها والت ديزني .. هذه معادلة قوة أبدية في هذا العالم ، ما دمت تملك النقود فأنت ستبتلع كل شيء و كل أحد .. على أي حال فقد أخذت هذه الأفلام تصبح ذا شعبية جارفة في كنساس ، مما مكن ديزني من الاستقلال بالاسم و العمل أخيراً و حذف اسم نيومان ! قام وقتها بتوظيف 3 موظفين إضافيين منهم صديقه القديم أيوركس ، وهنا نتعلم الدرس الأول .. مع كل أولئك الموظفين عالي الرواتب لن تستطيع شركة ناشئة الوقوف على قدميها في سوق محلية .. الأمر الذي دفع بهم للإفلاس أخيراً .. هذا درس هام علينا تعلمه في البدايات .. وحينها ، قرر والت بأنه سيذهب مركز صناعة الأفلام في أمريكا في ولاية كاليفورنيا .. نتحدث عن هوليوود تحديداً !
عندما ارتحل والت لهوليوود لم يذهب وحيداً ، بل ذهب سوياً مع شقيقه و مدخراتهما المالية يحذوهما الأمل في إيجاد موزع لفيلم كانا قد عمللا عليه في كنساس الكارتون كان عبارة عن فيلم كارتون مدمج مع ممثلين حقيقين يتحدث عن مغامرات أليس في بلاد العجائب ، حاملا وعدا لفريقه في كنساس لمساعدتهم للالتحاق به في كاليفورنيا.
لحسن الحظ التقى بمارغريت فينكلر مسؤولة شركة توزيع في نيويورك و التي أعجبت بالفيلم غير المنتهي حينها و عقدت معه صفقة لتوزيع انتاجات مماثلة.
تم تسمية السلسلة حينها بطرائف أليس Alice Comedies، و التي كانت البداية لتأسيس استوديو الأخوين ديزني Disney Brother’s studio في هوليوود. في الحقيقة فإن استوديو ديزني كان يمتاز بوجود الأخ روي ذي الخبرة المالية و الإدارية من عمله سابقاً كمصرفي و من خبرة والت الفنية الذي أدرك أنه لا يستطيع وحده إدارة شركة مالية بعد حادثة إفلاسه السابقة ..
و في تلك الفترة عام 1925 قام والت بتوظيف فنانة تدعى ليليان باوندز Lillian Bounds لتساعده في عمليات التحبير و الرسم ، و تصبح فيما بعد زوجته عام ، يبدو الأمر مضحكا و لا يخلو من الطرافة .. جميع أولئك الرجال الجديين المركزين على العمل لا يتزوجون في النهاية سوى من مساعداتهن و موظفاتهن ، يبدو انهم لا يجدون وقتاً بالمرة للخروج و اللهو و التحرش بالفتيات رغم تواجد والت في مدينة مثل هوليوود تعج بالباحثات عن الشهرة ! ولنا في بيل غيتس مثال آخر على ذلك .. إذا لم نرغب بذكر اسم أدولف هتلر و عشيقته السكرتيرة هيلجا في موضوع يتحدث عن والت ديزني !
حققت طرائف أليس نجاحاً معقولاً للاستوديو الناشىء ، لكن التوجه بعد ذلك عاد لينحو نحو الكارتون الكامل دون استخدام الممثلين ، و انتهت السلسلة عام 1927 ، ليركز والت على شخصيات متحركة مثل قط يدعى julius يشبه كثيراً القطة الشهيرة فيلكس Felix the cat
في نفس العام 1927 ، تزوجت السيدة مارجريت فينكلر موزعة أفلام ديزني من السيد شارل مينتز Charles Mintz الذي اصبح هو المسير الفعلي لأعمالها ، و حينها طلب من ديزني عمل كارتون يتم انتاجه و توزيعه مع شركة Universal Pictures الشهيرة ، حينها ، ظهرت للوجود شخصية أوسفيلد الأرنب حاملةً توقيع صديق ديزني العزيز Iwerks ،رغم أن هذه المعلومة مثار الكثير من التساؤلات .. و لكنه يدلنا على أن بدايات ميكي ماوس لم تكن أصيلة مئة في المئة من قبل والت نفسه على الأقل ، و لايقلل هذا شيئاً من عظمته طبعا ، لكن التشابه بين الشخصيتين لا يمكن التغاضي عنه بالفعل ، شهدت السلسلة نجاحاً منقطع النظير و تمكن استوديو ديزني من التوسع مجدداً ليضم العدد من الموظفين القدامى مثل موظف والت الأول فريد هارمان ، و في عام 1928 ، ذهب والت إلى نيويورك ليفاوض شارل مينتز لزيادة تسعيرة كارتون أوسفيلد ، و هنا جاءت الصدمة .. لم يرفض مينتز فقط عرض ديزني ، بل تبين بأنه كان مسبقاً على اتصال مع العديد من موظفيه في الاستوديو و على رأسهم فريد هارمان نفسه ليقوم بإطاحة ديزني من الإدراة .. كان التهديد قاسياً : إما أن عليه الامتثال للأوامر و تخفيض الأسعار للفيلم من 2500 دولار إلى 1800 أو التهديد بمغادرة طاقم الفنانين العاملين معه .. وقد غادره الجميع للأسف باستثناء Iwerks صديقه الحميم الذي ظل وفيا لديزني ، و حصلت universal pictures على كافة حقوق استخدام أوسفيلد و استمروا بصناعة الأفلام من دون مساعدته.. في الواقع فقد عرض عليه أيضاً خيار التنازل عن ملكية استديو ديزني مقابل الحفاظ على 50 بالمئة من حقوق أوسفيلد .. لكن والت قرر أن خسارة شخصية كارتون واحدة أفضل من خسارة مقر العمل الأساسي .. وكم كان حكمه صائباً وقتها !!
كانت هذه صدمة قاسيةً في حياته و حياة أي شخص منا ، و قد تكون مدمرة بصراحة .. أن تجد عملك الأول الناجح يسرق من بين أيديك ، و بفعل التواطؤ و الخيانة من قبل موظفيك .. هنالك الكثير الكثير من العبر التي يمكن استخلاصها من قصص كهذه .. في حال كان الانسان مصراً على المضي قدماً و عدم الاستسلام.
ومن عدالة التاريخ أن شركة ديزني استطاعت أخيراً و في العام 2006 و بعد وفاة والت ديزني بكثير استعادة حقوق أوسفيلد من شركة يونيفرسال ، في الحقيقة فإن أوسفيلد هو عمل طواه النسيان مع الزمن ، و ربما لو كان والت لا يزال يعمل عليه لكان هو بطل ديزني بدلاً عن ميكي ماوس ..
هنالك في الحقيقة روايتان تتحدثان عن منشأ ميكي ماوس .. الأولى تقول بأن فإن والت ديزني قام برسم ميكي ماوس للمرة الأولى على متن القطار العائد إلى هوليوود بعد نيويورك المشؤومة تلك ، كان يريد تسميته مورتيمر قبل أن تقترح عليه زوجته تسميته باسم أقل جدية هو ميكي ، أعتقد أن هذه الرواية إن صحت فإنها تحمل كثيراً من الشجاعة إذ أن ديزني يعترف ضمنياً بأن ميكي هو عبارة عن استنساخ لأوسفيلد مع تغيير الإسم و تحويله من أرنب لفأر فقط ! و لم يكن هذا فارقاً كبيراً من ناحية الرسم .. و أعتقد أنه كان يريد تلقين يونيفرسال بيكتشرز درساً مفاده بأن حقوق النشر لا تعني شيئاً ما دام يستطيع خلق شخصيات مماثلة لأوسفيلد و تتفوق عليه .. إذن ميكي ماوس نشأ كردة فعل من ديزني للمحافظة على حقوقه ليس أكثر وفق هذه الرواية
الرواية الثانية تقول بأن والت ديزني قد تبنى فأراً كحيوان أليف عندما كان لا يزال في Laugh – O – grams في كنساس ، و من هذا الفأر استوحى تصميم ميكي و سماه مورتيمر ماوس ، قبل أن يقوم Iwerks بتعديل التصميم ليصبح أكثر سهولة من أجل أفلام الكارتون ليس إلا .. الصورة المجاورة تظهر Iwerks يعمل على صورة لميكي ماوس .. وعندما ضاعت حقوق أوسفيلد تمت العودة إلى تلك الشخصية المركونة على الرف .
بإمكانك اختيار الرواية التي تروقك من بين هاتين الاثنتين ، لكن الحقيقة قد تكون مزيجاً منهما سويةً أيضاً ..و حسب بعض فناني استوديو ديزني ، فإن Iwerks هو من أعطى ميكي تصميمه الفني و خطوطه ، بينما أعطاه Disney الشخصية و الروح و الصوت أيضاً ..
الفيلم الأول لميكي ماوس كان يدعى بالطائرة المجنونة Plane Crazy ،في تلك الفترة كانت شخصية الكرتون المسيطرة في الأفلام الصامتة هو القط فيليكس Felix the cat. ( و تصميمه ليس بعيداً لهذا الحد عن تصاميم أوسفيلد و ميكي بصراحة ، يبدو أن شلة الرسامين في تلك الفترة كانوا يعرفون بعضهم جيداً و على قولة المثل : حارتنا ضيقة و منعرف بعض )
نجاح ميكي ماوس بدأ مع قرار والت ديزني ظهور أول فيلم صوتي لميكي ماوس اسمه Steamboat Willie ، فإن أول من أخذ يؤدي صوته كان والت ديزني نفسه ! و استمر ذلك حتى العام 1947. و في العام 1930 كان ميكي ماوس قد انتزع الصدارة من فيلكس و الذي لم يعد باستطاعته منافسة ميكي ماوس وعندما تم اضافة الصوت إلى الكارتون بدا أن الأوان قد فات فعلاً.
الدرس الهام هنا هو عدم الاكتفاء عندما تكون في الصدارة ، التأخر في تبني التقنيات الحديثة و تطوير منتجك سيدفع بك نحو خسارة كل شيء عندما يظهر المنافس المتسلح بهذه المعرفة .. لا يجب نسيان هذا أبداً ..
على عكس ميكي ماوس ، لم تمتلك السلسلة أبطالاً ثابتين ، ظهر دونالد دك في هذه السلسلة لأول مرة عام 1934في حلقة the wise little hen و بالألوان منذ البداية كما ترون في هذه الصورة المأخوذة من حلقة ظهوره الأول، تطورت شعبية بطبوط بعد ذلك مستفيدةً من شخصيته العصبية و المشاغبة الشقية المتناسبة أكثر مع طابع أمريكا من ميكي المهذب و الساذج ليصبح ثاني أهم ابتكار لوالت ديزني بعد ميكي ماوس ، و عني أنا شخصياً فأنا ( بموت ) بعالم مدينة البط و بطوط و العم دهب و أعتقد أنها أجمل بمراحل من عالم ميكي ماوس ..
و ظهر بلوتو بدون ميكي ماوس عام 1932 في حلقة Just Dogs .ولتستقل هذه الشخصيات بعدها في سلاسل خاصة
من حلقات السيمفونيات الهزلية الشهيرة تلك كانت حلقتها الأولى المسماة : رقصة الهياكل العظمية skeleton dance و لكن أشهرها على الإطلاق و أشهر كارتون لديزني على الإطلاق حتى وقتها كانت the three little pigs التي صدرت عام 1933 ، و استمر عرضها في المسارح عدة شهور ، و خصوصاً أن أغنيتها أصبحت نغمة على كل فم أثناء فترة الكساد الكبير التي ضرب أمريكا و اسم الأغنية : who’s afraid of the big bad wolf من ذا الذي يخاف من الذئب الضخم الشرير ؟
منافسون شرسون Anti-Disney !
كانت شعبية ميكي ماوس طاغية عام 1932 ، فإن منتجاً آخر يدعى ماكس فليتشر Max Fleischer بدأ يحصد نجاحاً مقلقاً بالنسبة لديزني و أصبح يتحول إلى منافسه الرئيسي .. حتى الأن البعض كان يلقبه بالأنتي ديزني ! anti-disney ، كان فليتشر هو من وراء أنيميشن الفتاة الشقية Betty Boop بين عامي 1932 و 1939 ، و كان أيضاً خلف ظهور باباي البحار الشجاع و آكل السبانخ الظريف ساحق الشعبية .. حتى أن استطلاعات الرأي أخذت تظهر زيادة شعبية باباي على ميكي نفسه ، و لكن والت ديزني استطاع و بكل اقتدار اعادة ميكي للصدارة عبر القيام بخطوتين هامتين : الأولى نقل ميكي ماوس إلى عالم الألوان ، و احتكاره عملياً تقنية تلوين متطورة ثلاثية تسمى ب technicolor ، و الثانية هي قيامه بتعديل تصميم ميكي ماوس لجعله أكثر جمالاً و جاذبية من تصميمه البدائي ، و كانت هذه خطوات جريئة و تم عن شخص يعرف تماماً ما الذي يفعله و ليس مجرد مدير أخرق لشركة يحاول فقط قيادة السفينة في المياه الضحلة و اجتناب العواصف .
لم يقف الأمر هنا فحسب ، كانت هنالك منافس شديد الخطورة بدأ يسيطر على الساحة ، إنه تحفة Leon Schlesinger ليون شليزنجر و قنبلة الأخوين وارنر Warner Bros ، إنه الأرنب الثرثار آكل الجزر باغز باني Bugs bunny و الذي كاد يسيطر على الساحة تماماً عام 1942 ، و كان تكنيك ديزني وقتها الدفع بدونالد داك ليصبح منافس باغز باني لأنه قدر بأن ميكي ماوس غير قادر على الصمود حينها ، يمكننا القول إذن بأن نجم ميكي سطع في حقبة الأبيض و الأسود و الثلاثينيات ، ليسود من بعده دونالد داك في الأربعينيات .. لكن الأهم من هذا كله أن شعبية الكارتون القصير هذا كله قد تدنت بشكل عام و أصبح هنالك حالة من الشبع و السأم لدى الجمهور .. كان لا بد من البحث عن تطوير العمل و إلا فإن المهنة سوف تذوي و تتلاشى .. من الهام جداً القدرة على استشعار هذا الخطر من قبل مدراء الشركات و عدم استخدام سياسة اخفاء الرأس كالنعامة.
بعد أن قام والت بعمل سلاسله السابقة الناجحة ، أخذ يخطط و بكل صبر و أناة لإنجاز أو عمل سينمائي كامل ، و في عالم الكارتون الحامي التنافس تسربت تلك الأخبار إلى منافسي ديزني بالطبع ، و الذين كانوا متأكدين بأنها خطوة ستدمره تماماً ، و لذلك اكتفوا بالإشارة بالعملية بإسم : هفوة ديزني ، و لكن والت أثبت كالعادة أنه أبعد نظراً و أشد خيالاً منهم جميعاً.
كان روي شقيقه و زوجة والت خبيرة التحبير و التلوين مدركين تماماً استحالة المهمة ، إلا أن بدأ والت باستقدام خبراء من معاهد الرسم العريقة مثل البروفيسور Don Graham ليبدأ معه التخطيط سوياً لرفع سوية رسامي الاستوديو ، كانت التدريبات تتم بكل براءة على حلقات من السيمفونيات الهزلية يحاولون فيها تحسين مهاراتهم في مجال التحريك البشري الواقعي ، و التحريك المفرد للشخصية ضمن الكادر ، المؤثرات الخاصة ، و استخدام تجهيزات خاصة مثل الكاميرات المسطحة .. و كل هذا كان يمر من تحت أنوف المراقبين الخارجيين دون ان يدري أحد المغزى من ذلك .
بعد أن تأكد والت من قدرة موارده البشرية على المشروع بدأ العمل الجدي في عام 1934 و حتى منتصف عام 1937 ، عندما نفذت كافة أموال الميزانية لدى والت في المشروع ، و اضطر حينها لأخذ قرض من bank of america ليستطيع استكماله ، مغامرة دقيقة جداً تلك التي مر بها و غير محسوبة وفق تعبير بعض الأغبياء ، لكن حسن التقدير و الثقة بجودة العمل كانت في حسن محلها ، عندما انتهى عرض الفيلم للمرة الأولى على الجمهور ، حياه الجميع بالوقوف و التصفيق بكل احترام مع هتافات تشق الحناجر .. كان فيلماً مذهلاً فنياً بمقاييس عصره و يشبه ربم الصدمة التي احدثها حكاية لعبة Toy story عندما عرض للمرة الأولى ، و قد وصلت أرباح الفيلم لرقم خيالي وقتها قيمته 8 ملايين دولار ، و نال ديزني عنه جائزة الأكاديمي الخاصة للتميز و الاستحقاق و هي إحدى أرفع جوائز الأوسكار على الإطلاق و من الطريف أن شكل تلك الجائزة الخاصة كان على شكل تمثال أوسكار بحجم طبيعي ، و 7 تماثيل مصغرة ملحقة تمثل الأقزام السبعة ! تجدونها في أسفل واحدة من خرائن الأوسكارات ال 59 الخاصة بديزني في الصورة.
بعد نجاح بياض الثلج توالت أفلام ديزني الشهيرة و المعروفة للجميع ، بدأ العمل بعدها على بينوكيو و بيتر بان و أليس في بلاد العجائب رغم أن الانتاج تأخر بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية ، لكن تلك الأفلام لم تنل رغم نجاحها شهرة بياض الثلج أبداً ..
عاد ديزني ليحطم الأرقام القياسية مع فيلمه الجديد سندريلا هذه المرة ( و الذي يسعدني القول بأني شاهدته للمرة الأولى في حياتي في سينما حقيقية في حلب و باللغة العربية و ضمن عرض خاص بالأطفال ، و رغم أني كنت كارها جداً للفكرة و بأن أحضر فيلماً لسندريلا .. كنت قادماً برفقة شقيقاتي في الحقيقة ! لكن تلك التجربة كانت من أجمل تجارب السينما في حياتي كلها كما أرى بأثر رجعي الآن ) ، كيف يستطيع أحد نسيان تلك الفئران الظريفة التي تساعد سندرللي أو القط الشرير مساكش و حتى غناء فوزية و يسرية الشنيع و الذي ظل يرافقنا سنوات في المنزل للتهكم على كل شخص يحاول اعلاء عقيرته الفاشلة بالغناء !
بعد نجاح سندريلا بدأ والت يهتم بالخوض ببعض تجارب الأفلام التمثيلية الكاملة ،أشهرها فيلم عشرين ألف فرسخ تحت الماء 20000 leagnes under the sea و جزيرة الكنز treasure island و هو أمر يعجبني في هذا الرجل أنه يخطط دوماً للتوسع و اقتحام مضامير جديدة ضمن تخصصه ، ولن اتحدث هنا عن الكثير من الأفلام و السلاسل الجانبية التي أنتجها الاستوديو و سأضرب مثالا بفيلم تعليمي أنجزه ديزني لصالح وكالة ناسا الفضائية اسمه : الإنسان في الفضاء man in space عام 1955 للتدليل على هذه النشاطات.
خطرت فكرة ديزني لاند لوالت للمرة الأولى في آواخر الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان يجول بصحبة ابنتيه في إجدى مدن الملاهي في كاليفورنيا ، حسب فيديو شاهدته يتحدث فيه ديزني نفسه فإن المحرك له كان الحصول على شيء فيزيائي ملموس يتمكن الناس من الاستمتاع به مقارنة مع المتعة عبر الشاشة الفضية .. إضافة من مزيج من أحلام طفولية له عندما يتذكر المتعة التي نالها في طفولته من اللعب في مدينة الملاهي ، كان مشروعاً جريئاً جداً بمعاييره و قد استغرق 5 سنوات كاملة من العمل الدؤوب حتى تحقق ، تم استقدام العديد من الفنانين من الاستوديو للمشاركة فيه نظراً لأن مدينة ترفيه كهذه ستعتمد على تصاميم كرتونية إضافة للتصاميم الهندسية ، و لذلك سمي طاقم العمل وقتها ب imagineers منحوتة من engineers و image artists !
كانت التعليمات للمهندس المسؤول عن المشروع Herb Ryman المعطاة من قبل ديزني بسيطة جداً و أكثر من كافية : هيرب .. يجب أن تصممها بحيث لا تشبه أي مكان آخر في هذا العالم ، كما أريد أن تكون محاطة بسكة قطار ! لعله تأثراً بولعه القديم بالقطارات في طفولته الأولى ..
كان افتتاح ديزني لاند حدثاً مدوياً في العام 1955 ، و شهده كثير من الطبقة السياسية و الفنية في أمريكا مثل الرئيس ريجان نفسه ، و حصدت المدينة نجاحاً فورياً و أخذ الناس يتقاطرون عليها من كل أميركا و من خارجها أيضاً ، لقد غيرت ديزني لاند مفهوم الترفيه العائلي إلى الأبد ..
كان أول و آخر ذهاب لي إلى ديزني لاند في العام 1995 و في آخر مكان يتوقعه المرء .. tokyo disneyland ! و التي عشت فيها يوماً من أسعد أيام حياتي كطفل سوري مذعور لا يدري كيف سقط في جحر الأرنب السحري هذا ! كان منغصي الوحيد أني كنت وحيداً هناك و كان من الصعب بمكان تشارك الذكريات مع الأصدقاء و الأهل دون أن يعتقدوا بأنك تبالغ أو تخرف !
في عام 1966 تم اكتشاف اصابة والت بسرطان الرئة بالمصادفة المحضة خلال صورة أشعة عادية .. و عندما تمت محاولة استئصال الورم اضطر الأطباء تقريباً لاستئصال الرئة كاملة و توقعوا له فترة 6 أشهر للصمود ، إلا أنه توفي بأزمة قلبية بعد العملية بفترة وجيزة عن عمر 65 و عاماً ..
استمرت امبراطورية ديزني بالتوسع و التألق لعقود مستمرة و حتى يومنا هذا بعد وفاة مؤسسها ، هذه حالة شاذة و نادرة جداً في أيامنا و تدل على حوكمة ممتازة للمؤسسة ، و حرص على استقطاب المواهب و الخبرات و الدماء المتجددة لرفد كوادر الحرس القديم .. شيء يرفع الرأس بصراحة و يصلح لتعلم الكثير من الدروس كالعادة .. و أهم خطوات ديزني في رأيي حديثاً تكمن في 3 توجهات هامة :
فإني سأختتم هذه المقالة باقتباس مأخوذ بتصرف و هام جداً لوالت ديزني يجعلنا نفهم تطور الرسوم المتحركة و رؤيته المستقبلية للفن و الكارتون و التي أتفق معها تماماً :
منذ مئة عام خلت ، قام فاجنر بابتكار فن رائع و حاو لكل الفنون الجميلة عن طريق مزج الموسيقى و الرقص و الرسم سوياً ، و لكنه لم يكن ليتخيل و لا في أكثر خيالاته جنوحاً الإمكانيات اللا محدودة التي ستقدمها يوماً ما الراديو ، و التسجيل ، و السينما والتلفاز .. و التي تمكنت عقول و مخيلة المبدعين في هذا العصر من استثمارها للوصول إلى مستويات إبداع جديدة .. إن المستقبل يحمل في طياته الكثير من التطورات الواعدة لمن يحافظ على تدريب خياله و ابداعه ليتمكن من دمج هذه الأوركسترا التقنية الجديدة في ابداعات أجمل و أجمل ..
فهل يا ترى سنشهد يوماً ما تفجر ابداعات و مواهب الشباب العربي في كل المجالات ؟؟ هذا ما ستنبؤنا به السنين القادمة ..
قيل
والت ديزني
إنه الأشهر بلا منازع ، صاحب الرقم القياسي في الحصول جوائز الأكاديمية ( 59 جائزة أوسكار ) ، ربما لن تتأثر كثيراً لو قلت لك بأن له نجمةً مسماة بإسمه في شارع النجوم the walk of fame في هوليوود ، ولكن إن عرفت بأن ميكي ماوس حصل أيضاً على نجمة هو الآخر .. فهذه معلومةُ مثيرة للاهتمام حتماً !
نحن نتحدث عن والت ديزني لو كنت لم تنتبه بعد ..قليلون هم الأناس الذين ينالون سمعةً جيدة بهذا الحجم في عالمنا هذا ، تحدث عن المفكرين ، القادة السياسيين ، الحكماء ، الثوار .. من تشاء .. ستجد لكل أعداءً و مهاجمين من كل حدب و صوب ، لكن أن يستطيع رجلُ ما نيل كل هذه المحبة في قلوب الناس على مدى سنوات .. فهو شيء يحسد عليه والت ديزني بصراحة..
أنت بحاجة لقلب حجري كقلب عم دهب حتى لا تحب هذا الرجل ، من منا يستطيع كره ميكي ماوس و صديقته الظريفة ميكي .. سوى شخص حانق و عصبي مثل بطوط donald duck ؟ أو شخص مغفل تماماً و على نياته مثل بندق Goofy ، و هو برواقه الدائم يجعلك تتذكر بيت المتنبي الشهير عن أخي الجهالة الذي ينعم في الشقاوة .. إنه شخص محظوظ .. محظوظ جداً .. مثل محظوظ Gladstone مثلاً !!
هذا أمر جيد .. ما زال هنالك شيء جيد في هذا العالم يستحق أن نروي قصصاً عنه ..
والت ديزني كان بالنسبة إلي في الصغر شيئاً أشبه بالرمز .. شيئاً تشمه و تتذوقه و تلمسه دون رؤياه ..و كان أحد أحلامي أن أتمكن يوماً من العمل ضمن ديزني ( على الأقل اعتباراً من مشاهدتي لفيلم الملك الأسد lion king ) و لذلك استغربت فعلاً عندما وجد كماً كبيراً من الأفلام التسجيلية له على يوتيوب .. و بعد ذلك بدا لي ذلك في غاية المنطقية و أن من السخف بعينه توقع العكس .. ماذا تنتظر من شخصٍ قضى حياته في صنع أفلام الكارتون المتحركة سوى أن تجده حول الكاميرا طوال الوقت ، و قد سحرتني ابتسامة هذا الرجل العذبة و ضحكته المشرقة ، حمداً لله أن صورته لا تختلف عن جمال أفلامه ، و ليس ذو منظر غريب بيقطع الرزق مثل فرانكان Franquin كاتب القصص المصورة الفرنسي الشهير على سبيل المثال !
عندما كنت صغيراً لم أكن أدري أصلاً بأن هذا اسم لشخص ! من هذا الذي بحق السماء يحمل اسم عائلة مثل ديزني ! كلمة لذيذة مصنوعة من الحلوى و مغطسة بالسكر !
قد يكون من المضحك بأن أقول بأن أكثر شيء يعبر عن شخصية هذا الرجل بالنسبة لي هو توقيعه الخاص ! سحرني هذا التوقيع منذ الصغر .. تلك الحروف الضاحكة الملتوية التي تقفز فرحاً و تتطاير شقاوة ، تنزلق مسرعةً هاربة و هي تطلق الكثير من الصياح و الضحك و الغوغاء .. لا عجب أن يصدر خط truetype خاص يسمى بخط ديزني!
الطفولة الأولى و المراهقة
ولد والت ديزني في 5 ديسمبر للعام 1901 في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية لوالدين من أصل إيرلندي هما إلياس و فلورا كول ديزني ، انتقل مع عائلته المؤلفة من أبويه و أشقائه الثلاثة و شقيقته، لتنتقل بعدها للعيش في مدينة كنساس
هنالك و في جو قروي الطابع بدأت موهبته و ميوله الفنية تظهر ، و كان يرسم الكثير من الحيوانات التي يشاهدها حوله ، كما ولع كثيراً بالقطارات مثله مثل كافة أطفال القرى في تلك الحقبة من القرن العشرين حيث يمثل القطار الحداثة و الإثارة و الرحلة نحو المجهول ، يقول بأنه كان يضع أذنه على السكة محاولا سماع ضجة القطار لتقدير زمن وصوله كل يوم ! كان هذا العالم البسيط من اللهو البريء مع الأخوة و الحيوانات الداجنة و الأحصنة و القطارات هو الطفولة الجميلة التي ستنفجر قصصاً مصورة في مستقبل والت ديزني لاحقاً..
في عام 1911 ، انتقلت العائلة إلى كنساس بعدما اضطر والده إلياس إلى بيع المزرعة عام 1909 ، بسبب مرضه و عدم تمكنه من القيام بأشغالها الشاقة ، فانتقلت الأسرة للعيش في منزل بالإيجار و لم تكن ظروف العائلة المادية مواتيةً ، و هكذا أجبر والت و أخوه على العمل ببيع الجرائد .. و هي مهنة شاقة تتطلب العمل في فترات باردة صباحية .. ليس هذا سهلا على طفل في العاشرة من العمر ..دخل والت إلى المرحلة الإعدادية عام 1911 ، و هناك تعرف والت في المدرسة على والتر بفيفير و الذي عرفه على عالم التحريك و الكارتون ، و في تلك الفترة كان يقضي الكثير من الوقت مع صديقه هذا و في أوقات الفراغ يذهبون لمدينة ملاه كهربائية بالقرب من منزلهم ، و قد أوضح والت بعدها بأن تصميم تلك المدينة كان له تأثير كبير على تخيله لديزني لاند فيما بعد ..
في عام 1917 ، عادت العائلة مرة أخرى إلى شيكاغو ، كان والت يقوم و هو في المدرسة برسم العديد من القصص المصورة في مجلة The Voicesفي مدرسة ماكنيلي الثانوية ( بشكل مشابه لطفولة هيرجيه )و بدأ والت و هو ما زال في الثانوية أيضاً بمتابعة دروس مسائية في معهد شيكاغو للفنون ، كانت رسومه في تلك الفترة ذات طابع وطني متأثراً بالجو السياسي العام ، حتى أنه طلب التطوع كجندي في الحرب العالمية الأولى و تم رفض طلبه لأن عمره دون ال 17 عاماً ، إلا أنه قام بتزوير وثيقة ميلاده ليتمكن من الذهاب إلى الحرب ضمن فرق الصليب الأحمر الأمريكي، لكنه لم يصل هناك إلا بعد انتهاء القتال ، و عمل سائقاً لعربة إسعاف مدة عام تقريباً في فرنسا ، تشاهدونه في الصورة إلى جانب العربة التي كان يقودها ، و الطريف في الموضوع هو رأس الطفل المشاغب المرسوم على العربة كدليل على استمراره في الرسم تحت كل الظروف !
بداية الرحلة ( المرحلة الصعبة ! )
في عام 1919 بدأ مشواره المهني في مدينة كنساس حيث يعمل أخوه الأكبر Roy كموظف في مصرف ، و كانت فكرته عن المستقبل غير واضحة تماماً ، كل ما يعرفه أنه يرغب بالعمل في المجال الفني .. بداية قام برسم الكاريكاتير السياسي ، و لم يجد أحداً متحمساً لتوظيفه لا كرسام كاريكاتير أو صحفي و لا حتى كسائق عربة إسعاف ! نهاية تمكن أخوه من ايجاد عمل مؤقت له في مجال تصميم الإعلانات التجارية لدى Pesmen-Rubin Art Studio مقابل خمسين دولاراً شهرياً ، و أيضا ككان يقوم بتصميم غلاف البرنامج الأسبوعي لمسرح محلي اسمه مسرح نيومان ، خلال عمله الأول هذا ، التقى والت ديزني بشاب في مثل عمره ، يحمل نفس اهتماماته ، اسمه Ubbe Ert Iwerks -غيره فيما بعد ليصبح : Ub Iwerks – و قام الشابان عام 1920 بإنشاء مؤسسة تحمل اسم : «Iwerks-Disney Commercial Artists »و تعمل في مجال الدعاية و الإعلان في كاراج المتواضع خلف بيت ديزني في كانساس ، الكثير من الأمريكان العصاميين بدأوا من كارجات منازلهم على ما يبدو كستيف جوبز مثلا مؤسس شركة Apple ، يبدو أني سأضع غياب الكراجات في العالم العربي على قائمة أسباب تخلفنا المزمن ! ( العبرة طبعاً في ايجاد – حقل تجارب – للأولاد مسموح لهم فيه تمرير طاقاتهم الابداعية دون تدخل الوالدين بعبارات من نمط : قوم ادرس ، ما توسخ ، ما تعلي الصوت .. إلخ إلخ إلخ !! )
لم تستمر هذه الشركة طويلاً إذ انضم كلاهما إلى شركة إعلانات للأفلام تدعى Kansas City Film Ad Company ، تعلم هناك كيفية صناعة إعلانات متحركة تعتمد على طريقة تسمى بطريقة القصاصات cutout animation ، و الفكرة بسيطة : قم بتجميع قصاصات على شكل أيادٍ و أرجل تمثل شخصاً ما بواسطة دبابيس ، و من أجل كل لقطة فعليك تحريك القصاصات لجعل الصورة تبدو تتحرك .. كان هذا بداية اهتمام ديزني بمجال التحريك ، و أخذ يثقف نفسه حول الموضوع و قام بشراء كتاب ل Edwin G. Lutz يتحدث عن أصول التحريك و بداياته : Animated Cartoons: How They Are Made, Their Origin and Development.
و بعد هذا الكتاب أخذ يؤمن بأن المستقبل ليس لطريقة القصاصات هذه بل للتحريك المعتمد على رسم خلايا متعددة أو اسكتشات متتالية ، و عندها قرر بأنه سيتبع هذا الأسلوب بدلا عن القصاصات ..
قام حينها بترك مؤسسته و افتتح استوديو خاصاً به يعمل فيه لديه موظف واحد هو Fred Harman نجح وقتها بالتفاوض مع مالك مسرح شهير في كنساس هو Frank L.newman ليقوم بعرض انتاجه من الأنيميشن ضمن صالة العرض الخاصة به على النطاق المحلي وبثمن 100 إلى 150 دولاراً عن الفيلم الواحد.وقد سمى تلك الرسوم المتحركة وقتها بـ Newman Laugh – O – grams و لم تكن مدة الفيلم تتجاوز أكثر من دقيقة واحدة !
و ظل مبنى هذا الاستوديو موجوداً حتى يومنا هذا ووجدت له صورةً حديثة بعد ترميمه في العام 2010 أتشاركها معكم هاهنا
استوديو الرسومات الضاحكة Laugh-O-Gram Studio
لعلكم لاحظتم في الفقرة الماضية اشتراط صاحب المسرح اضافة اسمه الشخصي للرسوم المتحركة التي يرسمها والت ديزني .. هذه معادلة قوة أبدية في هذا العالم ، ما دمت تملك النقود فأنت ستبتلع كل شيء و كل أحد .. على أي حال فقد أخذت هذه الأفلام تصبح ذا شعبية جارفة في كنساس ، مما مكن ديزني من الاستقلال بالاسم و العمل أخيراً و حذف اسم نيومان ! قام وقتها بتوظيف 3 موظفين إضافيين منهم صديقه القديم أيوركس ، وهنا نتعلم الدرس الأول .. مع كل أولئك الموظفين عالي الرواتب لن تستطيع شركة ناشئة الوقوف على قدميها في سوق محلية .. الأمر الذي دفع بهم للإفلاس أخيراً .. هذا درس هام علينا تعلمه في البدايات .. وحينها ، قرر والت بأنه سيذهب مركز صناعة الأفلام في أمريكا في ولاية كاليفورنيا .. نتحدث عن هوليوود تحديداً !
الرحلة إلى Hollywood
عندما ارتحل والت لهوليوود لم يذهب وحيداً ، بل ذهب سوياً مع شقيقه و مدخراتهما المالية يحذوهما الأمل في إيجاد موزع لفيلم كانا قد عمللا عليه في كنساس الكارتون كان عبارة عن فيلم كارتون مدمج مع ممثلين حقيقين يتحدث عن مغامرات أليس في بلاد العجائب ، حاملا وعدا لفريقه في كنساس لمساعدتهم للالتحاق به في كاليفورنيا.
لحسن الحظ التقى بمارغريت فينكلر مسؤولة شركة توزيع في نيويورك و التي أعجبت بالفيلم غير المنتهي حينها و عقدت معه صفقة لتوزيع انتاجات مماثلة.
تم تسمية السلسلة حينها بطرائف أليس Alice Comedies، و التي كانت البداية لتأسيس استوديو الأخوين ديزني Disney Brother’s studio في هوليوود. في الحقيقة فإن استوديو ديزني كان يمتاز بوجود الأخ روي ذي الخبرة المالية و الإدارية من عمله سابقاً كمصرفي و من خبرة والت الفنية الذي أدرك أنه لا يستطيع وحده إدارة شركة مالية بعد حادثة إفلاسه السابقة ..
و في تلك الفترة عام 1925 قام والت بتوظيف فنانة تدعى ليليان باوندز Lillian Bounds لتساعده في عمليات التحبير و الرسم ، و تصبح فيما بعد زوجته عام ، يبدو الأمر مضحكا و لا يخلو من الطرافة .. جميع أولئك الرجال الجديين المركزين على العمل لا يتزوجون في النهاية سوى من مساعداتهن و موظفاتهن ، يبدو انهم لا يجدون وقتاً بالمرة للخروج و اللهو و التحرش بالفتيات رغم تواجد والت في مدينة مثل هوليوود تعج بالباحثات عن الشهرة ! ولنا في بيل غيتس مثال آخر على ذلك .. إذا لم نرغب بذكر اسم أدولف هتلر و عشيقته السكرتيرة هيلجا في موضوع يتحدث عن والت ديزني !
حققت طرائف أليس نجاحاً معقولاً للاستوديو الناشىء ، لكن التوجه بعد ذلك عاد لينحو نحو الكارتون الكامل دون استخدام الممثلين ، و انتهت السلسلة عام 1927 ، ليركز والت على شخصيات متحركة مثل قط يدعى julius يشبه كثيراً القطة الشهيرة فيلكس Felix the cat
الأرنب المحظوظ أوسفيلد Oswald the Lucky Rabbit
في نفس العام 1927 ، تزوجت السيدة مارجريت فينكلر موزعة أفلام ديزني من السيد شارل مينتز Charles Mintz الذي اصبح هو المسير الفعلي لأعمالها ، و حينها طلب من ديزني عمل كارتون يتم انتاجه و توزيعه مع شركة Universal Pictures الشهيرة ، حينها ، ظهرت للوجود شخصية أوسفيلد الأرنب حاملةً توقيع صديق ديزني العزيز Iwerks ،رغم أن هذه المعلومة مثار الكثير من التساؤلات .. و لكنه يدلنا على أن بدايات ميكي ماوس لم تكن أصيلة مئة في المئة من قبل والت نفسه على الأقل ، و لايقلل هذا شيئاً من عظمته طبعا ، لكن التشابه بين الشخصيتين لا يمكن التغاضي عنه بالفعل ، شهدت السلسلة نجاحاً منقطع النظير و تمكن استوديو ديزني من التوسع مجدداً ليضم العدد من الموظفين القدامى مثل موظف والت الأول فريد هارمان ، و في عام 1928 ، ذهب والت إلى نيويورك ليفاوض شارل مينتز لزيادة تسعيرة كارتون أوسفيلد ، و هنا جاءت الصدمة .. لم يرفض مينتز فقط عرض ديزني ، بل تبين بأنه كان مسبقاً على اتصال مع العديد من موظفيه في الاستوديو و على رأسهم فريد هارمان نفسه ليقوم بإطاحة ديزني من الإدراة .. كان التهديد قاسياً : إما أن عليه الامتثال للأوامر و تخفيض الأسعار للفيلم من 2500 دولار إلى 1800 أو التهديد بمغادرة طاقم الفنانين العاملين معه .. وقد غادره الجميع للأسف باستثناء Iwerks صديقه الحميم الذي ظل وفيا لديزني ، و حصلت universal pictures على كافة حقوق استخدام أوسفيلد و استمروا بصناعة الأفلام من دون مساعدته.. في الواقع فقد عرض عليه أيضاً خيار التنازل عن ملكية استديو ديزني مقابل الحفاظ على 50 بالمئة من حقوق أوسفيلد .. لكن والت قرر أن خسارة شخصية كارتون واحدة أفضل من خسارة مقر العمل الأساسي .. وكم كان حكمه صائباً وقتها !!
كانت هذه صدمة قاسيةً في حياته و حياة أي شخص منا ، و قد تكون مدمرة بصراحة .. أن تجد عملك الأول الناجح يسرق من بين أيديك ، و بفعل التواطؤ و الخيانة من قبل موظفيك .. هنالك الكثير الكثير من العبر التي يمكن استخلاصها من قصص كهذه .. في حال كان الانسان مصراً على المضي قدماً و عدم الاستسلام.
ومن عدالة التاريخ أن شركة ديزني استطاعت أخيراً و في العام 2006 و بعد وفاة والت ديزني بكثير استعادة حقوق أوسفيلد من شركة يونيفرسال ، في الحقيقة فإن أوسفيلد هو عمل طواه النسيان مع الزمن ، و ربما لو كان والت لا يزال يعمل عليه لكان هو بطل ديزني بدلاً عن ميكي ماوس ..
ميكي ماوس Mickey Mouse
هنالك في الحقيقة روايتان تتحدثان عن منشأ ميكي ماوس .. الأولى تقول بأن فإن والت ديزني قام برسم ميكي ماوس للمرة الأولى على متن القطار العائد إلى هوليوود بعد نيويورك المشؤومة تلك ، كان يريد تسميته مورتيمر قبل أن تقترح عليه زوجته تسميته باسم أقل جدية هو ميكي ، أعتقد أن هذه الرواية إن صحت فإنها تحمل كثيراً من الشجاعة إذ أن ديزني يعترف ضمنياً بأن ميكي هو عبارة عن استنساخ لأوسفيلد مع تغيير الإسم و تحويله من أرنب لفأر فقط ! و لم يكن هذا فارقاً كبيراً من ناحية الرسم .. و أعتقد أنه كان يريد تلقين يونيفرسال بيكتشرز درساً مفاده بأن حقوق النشر لا تعني شيئاً ما دام يستطيع خلق شخصيات مماثلة لأوسفيلد و تتفوق عليه .. إذن ميكي ماوس نشأ كردة فعل من ديزني للمحافظة على حقوقه ليس أكثر وفق هذه الرواية
الرواية الثانية تقول بأن والت ديزني قد تبنى فأراً كحيوان أليف عندما كان لا يزال في Laugh – O – grams في كنساس ، و من هذا الفأر استوحى تصميم ميكي و سماه مورتيمر ماوس ، قبل أن يقوم Iwerks بتعديل التصميم ليصبح أكثر سهولة من أجل أفلام الكارتون ليس إلا .. الصورة المجاورة تظهر Iwerks يعمل على صورة لميكي ماوس .. وعندما ضاعت حقوق أوسفيلد تمت العودة إلى تلك الشخصية المركونة على الرف .
بإمكانك اختيار الرواية التي تروقك من بين هاتين الاثنتين ، لكن الحقيقة قد تكون مزيجاً منهما سويةً أيضاً ..و حسب بعض فناني استوديو ديزني ، فإن Iwerks هو من أعطى ميكي تصميمه الفني و خطوطه ، بينما أعطاه Disney الشخصية و الروح و الصوت أيضاً ..
الفيلم الأول لميكي ماوس كان يدعى بالطائرة المجنونة Plane Crazy ،في تلك الفترة كانت شخصية الكرتون المسيطرة في الأفلام الصامتة هو القط فيليكس Felix the cat. ( و تصميمه ليس بعيداً لهذا الحد عن تصاميم أوسفيلد و ميكي بصراحة ، يبدو أن شلة الرسامين في تلك الفترة كانوا يعرفون بعضهم جيداً و على قولة المثل : حارتنا ضيقة و منعرف بعض )
نجاح ميكي ماوس بدأ مع قرار والت ديزني ظهور أول فيلم صوتي لميكي ماوس اسمه Steamboat Willie ، فإن أول من أخذ يؤدي صوته كان والت ديزني نفسه ! و استمر ذلك حتى العام 1947. و في العام 1930 كان ميكي ماوس قد انتزع الصدارة من فيلكس و الذي لم يعد باستطاعته منافسة ميكي ماوس وعندما تم اضافة الصوت إلى الكارتون بدا أن الأوان قد فات فعلاً.
الدرس الهام هنا هو عدم الاكتفاء عندما تكون في الصدارة ، التأخر في تبني التقنيات الحديثة و تطوير منتجك سيدفع بك نحو خسارة كل شيء عندما يظهر المنافس المتسلح بهذه المعرفة .. لا يجب نسيان هذا أبداً ..
السيمفونيات الهزلية Silly Symphonies
بالتزامن مع نجاح ميكي ماوس ، بدأ العمل على سلسلة أخرى تدعى السيمفونيات الهزلية التي تعبر أحداثها عن قصص موسيقية music novelty بين عامي 1929 وحتى 1939على عكس ميكي ماوس ، لم تمتلك السلسلة أبطالاً ثابتين ، ظهر دونالد دك في هذه السلسلة لأول مرة عام 1934في حلقة the wise little hen و بالألوان منذ البداية كما ترون في هذه الصورة المأخوذة من حلقة ظهوره الأول، تطورت شعبية بطبوط بعد ذلك مستفيدةً من شخصيته العصبية و المشاغبة الشقية المتناسبة أكثر مع طابع أمريكا من ميكي المهذب و الساذج ليصبح ثاني أهم ابتكار لوالت ديزني بعد ميكي ماوس ، و عني أنا شخصياً فأنا ( بموت ) بعالم مدينة البط و بطوط و العم دهب و أعتقد أنها أجمل بمراحل من عالم ميكي ماوس ..
و ظهر بلوتو بدون ميكي ماوس عام 1932 في حلقة Just Dogs .ولتستقل هذه الشخصيات بعدها في سلاسل خاصة
من حلقات السيمفونيات الهزلية الشهيرة تلك كانت حلقتها الأولى المسماة : رقصة الهياكل العظمية skeleton dance و لكن أشهرها على الإطلاق و أشهر كارتون لديزني على الإطلاق حتى وقتها كانت the three little pigs التي صدرت عام 1933 ، و استمر عرضها في المسارح عدة شهور ، و خصوصاً أن أغنيتها أصبحت نغمة على كل فم أثناء فترة الكساد الكبير التي ضرب أمريكا و اسم الأغنية : who’s afraid of the big bad wolf من ذا الذي يخاف من الذئب الضخم الشرير ؟
منافسون شرسون Anti-Disney !
كانت شعبية ميكي ماوس طاغية عام 1932 ، فإن منتجاً آخر يدعى ماكس فليتشر Max Fleischer بدأ يحصد نجاحاً مقلقاً بالنسبة لديزني و أصبح يتحول إلى منافسه الرئيسي .. حتى الأن البعض كان يلقبه بالأنتي ديزني ! anti-disney ، كان فليتشر هو من وراء أنيميشن الفتاة الشقية Betty Boop بين عامي 1932 و 1939 ، و كان أيضاً خلف ظهور باباي البحار الشجاع و آكل السبانخ الظريف ساحق الشعبية .. حتى أن استطلاعات الرأي أخذت تظهر زيادة شعبية باباي على ميكي نفسه ، و لكن والت ديزني استطاع و بكل اقتدار اعادة ميكي للصدارة عبر القيام بخطوتين هامتين : الأولى نقل ميكي ماوس إلى عالم الألوان ، و احتكاره عملياً تقنية تلوين متطورة ثلاثية تسمى ب technicolor ، و الثانية هي قيامه بتعديل تصميم ميكي ماوس لجعله أكثر جمالاً و جاذبية من تصميمه البدائي ، و كانت هذه خطوات جريئة و تم عن شخص يعرف تماماً ما الذي يفعله و ليس مجرد مدير أخرق لشركة يحاول فقط قيادة السفينة في المياه الضحلة و اجتناب العواصف .
لم يقف الأمر هنا فحسب ، كانت هنالك منافس شديد الخطورة بدأ يسيطر على الساحة ، إنه تحفة Leon Schlesinger ليون شليزنجر و قنبلة الأخوين وارنر Warner Bros ، إنه الأرنب الثرثار آكل الجزر باغز باني Bugs bunny و الذي كاد يسيطر على الساحة تماماً عام 1942 ، و كان تكنيك ديزني وقتها الدفع بدونالد داك ليصبح منافس باغز باني لأنه قدر بأن ميكي ماوس غير قادر على الصمود حينها ، يمكننا القول إذن بأن نجم ميكي سطع في حقبة الأبيض و الأسود و الثلاثينيات ، ليسود من بعده دونالد داك في الأربعينيات .. لكن الأهم من هذا كله أن شعبية الكارتون القصير هذا كله قد تدنت بشكل عام و أصبح هنالك حالة من الشبع و السأم لدى الجمهور .. كان لا بد من البحث عن تطوير العمل و إلا فإن المهنة سوف تذوي و تتلاشى .. من الهام جداً القدرة على استشعار هذا الخطر من قبل مدراء الشركات و عدم استخدام سياسة اخفاء الرأس كالنعامة.
العصر الذهبي لوالت ديزني في مجال الكارتون والتحريك بين أعوام 1937–1941
هفوة ديزني : بياض الثلج و الأقزام السبعة !
بعد أن قام والت بعمل سلاسله السابقة الناجحة ، أخذ يخطط و بكل صبر و أناة لإنجاز أو عمل سينمائي كامل ، و في عالم الكارتون الحامي التنافس تسربت تلك الأخبار إلى منافسي ديزني بالطبع ، و الذين كانوا متأكدين بأنها خطوة ستدمره تماماً ، و لذلك اكتفوا بالإشارة بالعملية بإسم : هفوة ديزني ، و لكن والت أثبت كالعادة أنه أبعد نظراً و أشد خيالاً منهم جميعاً.
كان روي شقيقه و زوجة والت خبيرة التحبير و التلوين مدركين تماماً استحالة المهمة ، إلا أن بدأ والت باستقدام خبراء من معاهد الرسم العريقة مثل البروفيسور Don Graham ليبدأ معه التخطيط سوياً لرفع سوية رسامي الاستوديو ، كانت التدريبات تتم بكل براءة على حلقات من السيمفونيات الهزلية يحاولون فيها تحسين مهاراتهم في مجال التحريك البشري الواقعي ، و التحريك المفرد للشخصية ضمن الكادر ، المؤثرات الخاصة ، و استخدام تجهيزات خاصة مثل الكاميرات المسطحة .. و كل هذا كان يمر من تحت أنوف المراقبين الخارجيين دون ان يدري أحد المغزى من ذلك .
بعد أن تأكد والت من قدرة موارده البشرية على المشروع بدأ العمل الجدي في عام 1934 و حتى منتصف عام 1937 ، عندما نفذت كافة أموال الميزانية لدى والت في المشروع ، و اضطر حينها لأخذ قرض من bank of america ليستطيع استكماله ، مغامرة دقيقة جداً تلك التي مر بها و غير محسوبة وفق تعبير بعض الأغبياء ، لكن حسن التقدير و الثقة بجودة العمل كانت في حسن محلها ، عندما انتهى عرض الفيلم للمرة الأولى على الجمهور ، حياه الجميع بالوقوف و التصفيق بكل احترام مع هتافات تشق الحناجر .. كان فيلماً مذهلاً فنياً بمقاييس عصره و يشبه ربم الصدمة التي احدثها حكاية لعبة Toy story عندما عرض للمرة الأولى ، و قد وصلت أرباح الفيلم لرقم خيالي وقتها قيمته 8 ملايين دولار ، و نال ديزني عنه جائزة الأكاديمي الخاصة للتميز و الاستحقاق و هي إحدى أرفع جوائز الأوسكار على الإطلاق و من الطريف أن شكل تلك الجائزة الخاصة كان على شكل تمثال أوسكار بحجم طبيعي ، و 7 تماثيل مصغرة ملحقة تمثل الأقزام السبعة ! تجدونها في أسفل واحدة من خرائن الأوسكارات ال 59 الخاصة بديزني في الصورة.
بعد نجاح بياض الثلج توالت أفلام ديزني الشهيرة و المعروفة للجميع ، بدأ العمل بعدها على بينوكيو و بيتر بان و أليس في بلاد العجائب رغم أن الانتاج تأخر بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية ، لكن تلك الأفلام لم تنل رغم نجاحها شهرة بياض الثلج أبداً ..
عاد ديزني ليحطم الأرقام القياسية مع فيلمه الجديد سندريلا هذه المرة ( و الذي يسعدني القول بأني شاهدته للمرة الأولى في حياتي في سينما حقيقية في حلب و باللغة العربية و ضمن عرض خاص بالأطفال ، و رغم أني كنت كارها جداً للفكرة و بأن أحضر فيلماً لسندريلا .. كنت قادماً برفقة شقيقاتي في الحقيقة ! لكن تلك التجربة كانت من أجمل تجارب السينما في حياتي كلها كما أرى بأثر رجعي الآن ) ، كيف يستطيع أحد نسيان تلك الفئران الظريفة التي تساعد سندرللي أو القط الشرير مساكش و حتى غناء فوزية و يسرية الشنيع و الذي ظل يرافقنا سنوات في المنزل للتهكم على كل شخص يحاول اعلاء عقيرته الفاشلة بالغناء !
بعد نجاح سندريلا بدأ والت يهتم بالخوض ببعض تجارب الأفلام التمثيلية الكاملة ،أشهرها فيلم عشرين ألف فرسخ تحت الماء 20000 leagnes under the sea و جزيرة الكنز treasure island و هو أمر يعجبني في هذا الرجل أنه يخطط دوماً للتوسع و اقتحام مضامير جديدة ضمن تخصصه ، ولن اتحدث هنا عن الكثير من الأفلام و السلاسل الجانبية التي أنتجها الاستوديو و سأضرب مثالا بفيلم تعليمي أنجزه ديزني لصالح وكالة ناسا الفضائية اسمه : الإنسان في الفضاء man in space عام 1955 للتدليل على هذه النشاطات.
1955 – 1966 التخطيط لديزني لاند !
خطرت فكرة ديزني لاند لوالت للمرة الأولى في آواخر الأربعينيات من القرن الماضي عندما كان يجول بصحبة ابنتيه في إجدى مدن الملاهي في كاليفورنيا ، حسب فيديو شاهدته يتحدث فيه ديزني نفسه فإن المحرك له كان الحصول على شيء فيزيائي ملموس يتمكن الناس من الاستمتاع به مقارنة مع المتعة عبر الشاشة الفضية .. إضافة من مزيج من أحلام طفولية له عندما يتذكر المتعة التي نالها في طفولته من اللعب في مدينة الملاهي ، كان مشروعاً جريئاً جداً بمعاييره و قد استغرق 5 سنوات كاملة من العمل الدؤوب حتى تحقق ، تم استقدام العديد من الفنانين من الاستوديو للمشاركة فيه نظراً لأن مدينة ترفيه كهذه ستعتمد على تصاميم كرتونية إضافة للتصاميم الهندسية ، و لذلك سمي طاقم العمل وقتها ب imagineers منحوتة من engineers و image artists !
كانت التعليمات للمهندس المسؤول عن المشروع Herb Ryman المعطاة من قبل ديزني بسيطة جداً و أكثر من كافية : هيرب .. يجب أن تصممها بحيث لا تشبه أي مكان آخر في هذا العالم ، كما أريد أن تكون محاطة بسكة قطار ! لعله تأثراً بولعه القديم بالقطارات في طفولته الأولى ..
كان افتتاح ديزني لاند حدثاً مدوياً في العام 1955 ، و شهده كثير من الطبقة السياسية و الفنية في أمريكا مثل الرئيس ريجان نفسه ، و حصدت المدينة نجاحاً فورياً و أخذ الناس يتقاطرون عليها من كل أميركا و من خارجها أيضاً ، لقد غيرت ديزني لاند مفهوم الترفيه العائلي إلى الأبد ..
كان أول و آخر ذهاب لي إلى ديزني لاند في العام 1995 و في آخر مكان يتوقعه المرء .. tokyo disneyland ! و التي عشت فيها يوماً من أسعد أيام حياتي كطفل سوري مذعور لا يدري كيف سقط في جحر الأرنب السحري هذا ! كان منغصي الوحيد أني كنت وحيداً هناك و كان من الصعب بمكان تشارك الذكريات مع الأصدقاء و الأهل دون أن يعتقدوا بأنك تبالغ أو تخرف !
في عام 1966 تم اكتشاف اصابة والت بسرطان الرئة بالمصادفة المحضة خلال صورة أشعة عادية .. و عندما تمت محاولة استئصال الورم اضطر الأطباء تقريباً لاستئصال الرئة كاملة و توقعوا له فترة 6 أشهر للصمود ، إلا أنه توفي بأزمة قلبية بعد العملية بفترة وجيزة عن عمر 65 و عاماً ..
استمرت امبراطورية ديزني بالتوسع و التألق لعقود مستمرة و حتى يومنا هذا بعد وفاة مؤسسها ، هذه حالة شاذة و نادرة جداً في أيامنا و تدل على حوكمة ممتازة للمؤسسة ، و حرص على استقطاب المواهب و الخبرات و الدماء المتجددة لرفد كوادر الحرس القديم .. شيء يرفع الرأس بصراحة و يصلح لتعلم الكثير من الدروس كالعادة .. و أهم خطوات ديزني في رأيي حديثاً تكمن في 3 توجهات هامة :
- التبني الكامل لتقنيات الثري دي بعد تردد طويل و تبعية مزمنة لشركة بيكسار Pixarكادت تهدد عرش ديزني بالكامل مقابل منافسين لدودين من امثال dream works
- العودة لرومانسيات القصص الساحرة للأطفال بمقاربة أكثر نضجاً ، كان الانتقاد الأساسي من الجيل القديم لقصص ديزني انها مغرقة في البراءة و السذاجة و التنميط .. مثلا الأميرة دائما جميلة و تبحث عن أمير دون قصة حب و دون أي منطق في الموضوع .. من شاهد فيلم enchanted يلاحظ أن ديزني – تسخر – عملياً من نفسها في الفيلم و تطرح مقاربات جديدة دون تشويه براءة عالم الأطفال الرائع ، و هذه برأيي نقلة هااائلة للأمام ستضمن للشركة التصالح مع ماضيها و استمرار استقطاب العقول المستنيرة التي ترفض هذه القولبة المسبقة
- العودة من جديد للتركيز على ميكي ماوس من زاوية جديدة ماماً ، فيعد عقود من شخصية ميكي اللطيف و المهذب .. أخذت ديزني و بالعودة إلى بدايات ميكي ماوس بمراجعة بعض جوانب عنيفة و شريرة تم اسقاطها تباعاً في شخصيته .. الهدف هو العودة بهذه الشخصية الجديدة لميكي ماوس و جعله يستهدف جمهوراً أكثر نضجاً من السابق .. بصراحة هي تجربة في غاية الإثارة و تحمل الكثير من المحاذير ، و لكني أعتقد أنها جاءت في وقتها تماماً لان ميكي في وضعه الحالي غير قادر على الاستمرار و تحول لمجرد رمز لشركة ديزني لا أكثر ، و قد تكون هذه الدماء الجديدة محركاً هاماً لشخصية والت الأساسية و التي على أساسها بني مجد الامبراطورية بكاملها ..
فإني سأختتم هذه المقالة باقتباس مأخوذ بتصرف و هام جداً لوالت ديزني يجعلنا نفهم تطور الرسوم المتحركة و رؤيته المستقبلية للفن و الكارتون و التي أتفق معها تماماً :
منذ مئة عام خلت ، قام فاجنر بابتكار فن رائع و حاو لكل الفنون الجميلة عن طريق مزج الموسيقى و الرقص و الرسم سوياً ، و لكنه لم يكن ليتخيل و لا في أكثر خيالاته جنوحاً الإمكانيات اللا محدودة التي ستقدمها يوماً ما الراديو ، و التسجيل ، و السينما والتلفاز .. و التي تمكنت عقول و مخيلة المبدعين في هذا العصر من استثمارها للوصول إلى مستويات إبداع جديدة .. إن المستقبل يحمل في طياته الكثير من التطورات الواعدة لمن يحافظ على تدريب خياله و ابداعه ليتمكن من دمج هذه الأوركسترا التقنية الجديدة في ابداعات أجمل و أجمل ..
فهل يا ترى سنشهد يوماً ما تفجر ابداعات و مواهب الشباب العربي في كل المجالات ؟؟ هذا ما ستنبؤنا به السنين القادمة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق